الثلاثاء، 30 يوليو 2013

الموسيقار أحمد قاسم الإبداع و العبقرية




شعر الموسيقار أحمد قاسم بأن الأغنية اليمنية بحاجه إلى مزيد من الدفع نحو التطور ومضاهه الموسيقى العربية آنذاك فقرر التوجه إلى مصر ليتعلم أصول الموسيقى وبالطبع تفوق أحمد قاسم في دراسته للموسيقى وأصبح من كبار العازفين و الملحنين هناك فقام بتمثيل فيلم سينمائي والدخول في غمار المسابقة لمنافسه أشهر ممثلي الأفلام الغنائية كالموسيقار فريد الأطرش ومحمد فوزي وعبدالحليم حافظ فأنتج فيلمه الشهير ( حبي في القاهرة ) وقد مثًل بطوله هذا الفيلم مع الممثل الكبير محمود المليجي وغيره من الممثلين الكبار. وقدم فيه العديد من الأغاني الرائعة مثل ياعيباه - مش مصدق والتي من خلالها حقق شهره واسعة وأصبح معروف بالموسيقار العدني.

عاد الموسيقار أحمد قاسم إلى بلده حاملاً معه أمل التطوير وإظهار الأغنية اليمنية في أجمل حللها وفعلاُ فعلها رحمه الله فقد بدأ بإنتاج غزير من الأعمال الخالدة التي تستحق الثناء والتقدير فقدم المئات من الأعمال مع صديق حياته الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان




الموسيقار أحمد قاسم.. الإبداع و العبقرية

استهل أحمد قاسم حياته العملية كمدرس للموسيقى في مدارس الحكومة التابعة لإدارة معارف المستعمرة عدن، في مطلع الستينات من القرن العشرين.. دون أن ينفي ذلك إرهاصاته الأولى في عالم الغناء كمطرب ناشئ نافس بفنه كبار مطربي عصره،.. فكان ينتقل بين مدارس عدن بسيارته الرينو المكشوفة، حاملاً للنشء أساسيات الموسيقى، آملاً نشر الوعي وتحفيز الحس الموسيقي وإرساء النواة الأولى من العازفين المؤهلين،.. وقد اثمرت هذه البداية لاحقاً، بإنشاء المعهد الموسيقي..

ولعله من الطريف أن نذكر رائعته الصباحية »أنشودة الصباح« التي طالما رددها جيل الستينات :



مرحباً بالصباح بالشروق الجميل

بالحمام الفصاح في صبور الهديل

وك وكو

في رياض الهناء في الصباح الجميل

مرحباً مرحباً مرحباً بالصباح



كذلك أنشودته :



طلق الهواء، رحب الفضاء،

لنا حياة في الصباح والمساء.

نقضي بها أيامنا، نرسي بها دعامنا، عالية حتى السماء.



حيث كان فناننا الكبير أحمد قاسم يختار من كل مدرسة مجموعة من التلاميذ، من أصحاب الأصوات الجميلة، يتقدمهم قائد منهم لأداء تلك الأناشيد في حفلات المدارس. وافتتاحيات ملاعب الأطفال، وأداء أنشودة مرحباً بالصباح، في الطابور الصباحي، في كل مدرسة. فكان ذلك تقليداً جميلاً، ما زال في ذاكرة جيل الستينات حتى اليوم.

لقد فرض أحمد قاسم نفسه مجدداً على الذوق العدني السائد آنذاك، وكان يتحمل الانتكاسات ومرارتها بصبر وجلد لا مثيل لهما، كما كان لجراءته غير المعهودة، فضل كبير في إظهار موهبته والتعريف بعبقريته الموسيقية.

وقد استطاع بكل الجرأة أن يفرض نفسه على ساحة الغناء المصرية، وسمح له فنانو مصر العربية، بالإشتراك معهم في حفلات أقاموها، خلال شهر واحد فقط من تواجده لديهم. كما قال الأستاذ محمد مرشد ناجي في كتابه أغانينا الشعبية، في حين عجز غيره عن تحقيق ذلك، ممن قضوا في مصر سنوات طويلة.

ولجرأة أحمد قاسم علاقة بفرقته الأولى، التي ارتبط ظهوره بها حين أسسها وأطلق عليها (فرقة أحمد قاسم التجديدية) إن ما يلفت الإنتباه فيما أطلقه ابن قاسم من اسم على فرقته أشياء كثيرة فلعله أول فنان في عدن يطلق اسمه على فرقة موسيقية، في فترة عاصرت قيام الندوات الضخمة كندوة الموسيقى العدنية وغيرها من المؤسسات الغنائية.

أما صفة التجديدية، فهي تدلل دون شك إلى تطلع هذا الفنان الناشئ إلى الغد البعيد، ممتلئاً بالآمال والطموحات لرفع شأن الموسيقى في بلادنا، تلك الآمال التي نذر حياته لها. ولم يجعل فنه موسيقاه وسيلة للثراء، وما أسهل ذلك عليه إن أراده.

كيف لا؟ وهو نسر اليمن وصقر سمائها الغنائيةالمحلق، إذا كانت الطيور الصغيرة والعصافير، قد وصلت إلى ذلك الثراء بأجنحتها الضعيفة وخربشاتها الصغيرة.

لقد اكتسب أحمد قاسم من خلال وجوده ضارباً (الدربوجة) برفقة الفنان يحيى مكي الكثير من القدرات. واختزنت أذناه كما اختزنت مهجته ولوامحه كثيراً من الأنغام والمعزوفات الجميلة، التي شكلت فيما بعد حقيقة الوجد القاسمي إن صح التعبير، خاصة وأن يحيى مكي لم يكن موسيقياً عادياً، وإلا ما احتاج المرشدي في كتابة أغانينا الشعبية أن يطلق عليه صفة »رائد الروح الموسيقية في بلادنا« وحين تطرق المرشدي إلى يحيى مكي كان يريد أن يقول إن مكي لم يكن مهتماً بتطوير الغناء المحلي والأغنية المحلية على وجه الخصوص، في إشارة فأطفق إلى دور تلامذته الذين خالفوا أستاذهم النظر إلى ضرورة تجديد ذلك الغناء، وفي تقديرنا أن تلاميذ مكي وفي الطليعة منهم أحمد قاسم كانوا أول من حمل راية التجديد.

ولذلك يصفه المرشدي في نفس الكتاب بأنه كان »فناناً من الطراز الحديث، أبى أن يكون له المسرح اللائق به وبفرقته« على الرغم من أن المعجبين بألحانه كانوا قليلاً والوصف هنا لأحمد قاسم.

وفي ذلك تأكيد قاطع أن ابن قاسم كان في مجال الغناء والموسيقى وخاصة في عدن إن لم فقل اليمن، يقف في طليعة هؤلاء المجددين بل وفي الصدارة منهم.

ولكن قل المعجبون بفنه وموسيقاه بادئ الأمر، فقد كان الرجل دارساً للموسيقى وعلى ولان شامة بقواعدها وأصولها، كما هو على فهم تام بما يقدم لجمهوره ومعجبيه، لذلك لم يتبرم في البداية من (إعراض الجمهور عنه) لأنه كان يدرك - عكس غيره ممن لم يبلغوا في علم الموسيقى مبلغه - إن ذلك شيئاً طبيعياً، وقد قابلته كثير من الشعوب بالإعراض والنفور في مختلف مراحل التاريخ ولكن الجديد يثبت أقدامه بقوة وثقة في نهاية المطاف، ومن هنا كان أحمد قاسم شأنه شأن كل المبدعين، الذين احسوا بدافع عبقريتهم إلى ضرورة تجديد موسيقى شعوبهم، والزمن كفيل بفرض تجديدهم البديع في واقع الحياة، من خلال تآلف ذلك الواقع شيئاً فشيئاً مع تلك الجده التي يفرضها أولئك المبدعون.

ومن هنا فرض أحمد قاسم نفسه كمجدد للأغنية على الذوق العدني.

على أن هذه العبقرية لم يكن من الممكن أن نسمح لأنفسنا بإطلاقها عليه بمعزل عن دراسات الرجل، وأخذه علم الموسيقى من أصوله، ولأن الرجل كان ملماً بمجاله ومنغمساً فيه، لذلك لم يجعل من أسلوب في تجديد الأغنية العدنية عديم الصلة بجذور التراث، فكان السامع تبعاً لذلك يلمس في تجديده معاني الأصالة الضاربة باعماقها بعيداً في وجدان هذا الشعب وتاريخه وحضارته. وللتدليل على ذلك أغانيه.

. عدن عدن ياريت عدن مسير يوم.

. من العدين يالله بريح جلاب.

. يا مركب البندر.

فقد كان الرجل منتمياً إلى شعبه وإلى أرضه،ولا غبار عليه إن تأثر بموسيقى مصر وغيرها ولكن كان صاحب مدرسة فريدة من نوعها، تنبع من اليمن وتصب فيه، وإذا كان الغرب قد أخذوا السلم الموسيقى العربي الذي كان سائداً في القرون الوسطى، وأقاموا سلمهم المعدل على أساسه، فلماذا لم يوجه إليهم الاتهام بذلك؟! ولماذا لم تكن موسيقاهم عربية؟ إن احتكاك الحضارات بعضها في بعض قد أدى إلى تداخل كثير من العلوم والمعارف، وبخاصة في مجال الموسيقى، بحيث لا يستطيع المرء أن يجد موسيقى نقية خالصة لأي شعب من الشعوب، وهذا القول لا ينفي أن تداخل المؤشرات لم يكن بقادر على طمس أية هوية موسيقية لأي شعب من الشعوب أيضاً.

وتبعاً لهذا فإننا نرفض بحزم أن تكون مزايا هذا الموسيقار الراحل، وفوائده العظيمة في مجال الموسيقى مثالباً عليه، لدى بعض المتعصبين لمفاهيم (المحلية) بشكل متقوقع. ذلك التعصب الناشئ في حقيقة الأمر عن عجزهم عن التحليق فيما وراء هذا الأفق لأمر ما يتعلق بحقيقتهم لا غير.

كون أحمد قاسم كان في حقيقة الأمر هرماً لا يعلو عليه هرم في مجال تجديد الموسيقى اليمنية والتراث اليمني وبخاصة العدني منه، فهو لم يكتف بتعدد إيقاعات ألحانه المتنوعة بألوان الإيقاعات اليمنية الأصيلة كاللحجي والحضرمي واليافعي، بل لقد كان لبعض ألحانه تناغم جميل مع الإيقاع المصري، كما رفض السكون والثبات اعتماداً منه على مقامات معينة كما هو الحال لدى البعض، لذلك تجده يثب من أغنية إلى أخرى، قافزاً من مقام إلى آخر، أشبه ما يكون باليعسوب في روضة المقامات، بل لقد اشرك أكثر من مقام في بعض أغانيه وهو ما يعرف في علم الموسيقى بالتحويل، حيث يخرج الفنان من مقام الأغنية الأصلي إلى مقام آخر فرعي، ثم لا يلبث أن يعود إلى المقام الأصلي، الي بدأت به الأغنية وكما كان لطفي مجدداً في الكلمة الغنائية. فقد كان ابن قاسم رائد تجديد موسيقى تلك الكلمة، ولذلك يبدو من الصعب الفصل بينهما، فقد وجد كل منهماضآلته في الآخر، ولم يكن بغريب علينا أن يكون لأحمد قاسم النصيب الأوفر من كلمات لطفي. ومنها على سبيل المثال : في جنونك، يا عيباه، أنت ولا أحد سواك، مش عيب عليك هكذا، في الليل اغني لك، قلبه سأل قلبي، صدفة التقينا، المزهر الحزين.

كما غنى أحمد قاسم لأمته ووطنه أجمل وأعذب الأناشيد ومنها على سبيل المثال :

»صرخة المجد التليد« أنشودة بمناسبة انتصارات مصرفي العدوان الثلاثي، وصيحة استقلال شطرنا الجنوبي قدم أحمد قاسم رائعته الأنشودة على أرضنا بعد طول الكفاح تجلى الصباح لأول مرة. وهما من كلمات لطفي أمان.

كما لا ننسى نشيده الثوري الفذ لعبدالله هادي سبيت.

بلادي ولئن سال فيك الدم ففي ذلك الشرف الأعظم



كما غنى سبتمبر بقيام الثورة الأم في شطرنا الشمالي.

يا شعب اليمن الأكبر يا مالك جمهورية.

كلمات »حمود نعمان« وأجدني أقول أن من رحمة القدر بنا وبأحمد قاسم أنه كان دارساً للموسيقى متفوقاً في مجالها، ولو أن صفتي الجرأة والعناد اللتين عرفتا عنه كانتا بمعزل عن أساس أحمد قاسم العلمي فلا يكون بمقدور خيالنا أن يتصور أي سلك موسيقي يأخذنا إليه هذا العبقري العظيم!!



أقام حفلات ساهرة في عدن 64- 1965 أحياها بصحبة نخبة من الفنانين المصرين الذين استقدمهم على نفقته الخاصة ومنهم ماهر العطار ومحمود شكوكو وشفيق جلال وثريا حلمي والراقصة طقطوقة وكانت حفلات لا تنسى من الذاكرة أبدا ً".

لحن الموسيقار أحمد قاسم للعديد من المطربين والمطربات وله الفضل في اكتشاف العديد من المواهب أيضاُ مثل الموسيقار أحمد فتحي والفنان إيهاب تركي وغيرهم من الفنانين وغنى العديد من ألحانه فقد غنت الفنانة الكبيرة هيام يونس من ألحانه أغنيه ( في جفونك - قمري تغنى) كما غنت له الفنانة فتحيه الصغيرة ( يا أماني العمر كله - ياطالعين الجبل وغيرها )



أحمد قاسم يتحدى جمهور الفن اليمني على قدرته بلغناء بلون اليمني :

يثبت أحمد قاسم لجمهور الغناء في اليمن قدرته على الغناء بلونه اليمني الأصيل وليثبت أن اللون الذي قدمه في البداية لم يكن ناتج عن ضعف في الموهبة أو عدم الإحساس أو هروب , بل عن بعد نظر وموهبة , تعلم من الدرس الذي استخلصه من هجوم التقليدين عليه فقدم عدة ألحان شعبية مستمدة من الأهازيج اليمنية وهو في مصر كأغاني (هربو جا الليل) و (يا ليت عدن مسير يوم) للشاعر احمد الجابري وأغنية (يا حلو ياخضر اللون) للشاعر عبده عثمان وأغاني (من العدين يالله) و(يا طالعين الجبل) و(يا غارة الله) و(حقول البن) للشاعر سعيد الشيباني و(قمري تغني على الأغصان) للشاعر محمد عبده غانم و( في جفونك) و(اسمر وعيونه) للشاعر لطفي جعفر أمان الذي شكل معه ثنائياً رائعاً لسنوات حتى مطلع السبعينات .


إن أول ما يدهشك في تجربة الفنان الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم، هو ذلك الأداء الأوبرالي الباذخ، والهيمنة العميقة على تقنيات العزف على آلة العود، سمات عُرف بها هذا الموسيقار العدني الفذ منذ نشأته الفنية الأولى، ففي الوقت الذي كان الكثير من روّاد الأغنية العدنية ينزعون نحو الاعتماد على الثقافة المحلية واستلهام طبيعة المكان وشاعريته وفلسفته الحميمة، كان الفتى أحمد بن احمد قاسم قد تشبعت روحه بطغيان روح المكان على ذاته الشفيفة، فشكلت منه خميرة طينية طيعة تبحث عن نحات ماهر يعيد تكوينها ورسمها بنفس فني أخاذ، فكانت وجهته إلى مصر الكنانة، في زمن العطاء العروبي والريادة الفنية لعمالقة الأغنية العربية بمصر – زمنئذ – موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، الموسيقار الكبير فريد الأطرش، العباقرة السنباطي، كارم محمود، محمد فوزي، سيدة الغناء العربي الدائمة أم كلثوم، عندليب الفن العربي عبدالحليم حافظ، هذه الأجواء وتلك الكواكب الفنية وغيرها كانت الأكاديمية التي رغب فيها فناننا الكبير ليجعلها تحديه المباشر واحتكاكه اليومي لصقل موهبته وتشكيلها بملامح فريدة وخاصة، فقد كان يدرك مدى تأثير هذه المدرسة الفنية وسطوة إيقاعاتها وكنهها اللحني، إلا أنه وهو يرتقي سلم المجد الفني في مدينته الأثيرة عدن كان يعمد إلى تعميق تجربته المحلية ورفدها بينابيع صافية من نهر الأغنية العربية الجاري في دماء الأمة العربية من الماء وإلى الماء. 



















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق